الجمعة، 9 فبراير 2018

حكـ "أيـلول "ــاية
قرشي الطاهر القرشي

         أتى ايلول حيث الجو الماطر ' الأرض تكتسي ثوبا أخضرا ناضرا ، فيرتدي الكون أفضل ثيابه ؛ وتخضر الاشجار وتنمو الزهور فتنشرح الصدور .
ايلول في ريعان شبابه ينادي لكل العشاق بالسلام ملوحا بسحائبه ، فهو كثير الترحال يزور كل بقاع البسيطة دونما استثناء لبلد او تحيز لعرق غير عابئ بالكلل .
      يبعث في النفوس سحر الحياة بجماله الاخاذ ' ويبقى سرا لخلود قصص العشق العذري .
يحدثني ايلول ، حيث ينمو الحب الخالد في هذا الموسم ، وتتلاشى كل مقومات البغض الكريه   ايلول ضيفي في كل عام ، ضيف كريم يحمل الزاد والحب اينما حل ..!! ايلول هدية السماء ما ابهاك ...! وانت تمر سريعاً علي ارض العشاق ما احلاك ، وانت تبعث فينا سحبا مثقلة بالخير ، تهدينا قطراتها وتزين سمانا بالوان الطيف بأبداع متناه ، والرياح تنقل لنا أطيب روائح الدعاش دون اجر ! سبحان خالق الكون جل في علاه . الخضرة تملأ المكان مد البصر ..    والطيور تبني وكناتها ، وتحكي قصة حب ابدية ، وتحلق بنشوتها تغازل بعضها بين الاغصان ، تحكي اشواقها وتسكب علي اذني اروع الألحان ، مرسلة تغاريد تبعث في النفس السكون وتجلي استعمار الهذيان .
      ايلول فصل الحب كان يحكي لي قصص العشاق علي جبال التاكا ' وعلي شواطئ البحر الأحمر حبا بين الاصداف . ويحكي لي عن محبوبتي خمرية العينين ' باهية الجمال ذات البوارق اللامعة حين تبسم كأنها برق يخطف الأبصار!!
      واللون الأسمر يربك عقلي ويذيب قلبي المتيم ويشعل نيران العشق فيه كالبركان . شفتاها كالعنب ' خبرت دروب العشق و نشوته  اناملها الرقيقة تمر علي راسي وانا ملقى علي كتفيها... تحملني فوق ذراعيها كالأطفال الي مدن تحت الماء دون همس او كلام .
ايلول يحكي... مداعبة أصابع يدي لخصلاتها السوداء كظلمة ليلة شتاء يحكي مرور سبابتي وبنصاري علي شعرها المبعثر علي كتفي محاولا تجميعه ويتمرد علي اصابعي ويتساقط علي وجهي كثوب منسوج من ريش النعام ' يحكي كيف يغطي وجهي ووجهها كثافة الشعر وانا غارق في احلامي اتجول بين خصلات كغابات الامازون واتزمل بشعرها حينما يشتد علي البرد راسي مدفون تحت شعرها دون حراس او سلطان وانا لا احاول الخروج.
     رائحة عطرها تستفز انفاسي وتدفع تيارات العشق داخلي وتفوح رائحة الزعفران ...
ايلول مازال يحكي لي عن سوداء العينين ' يحكي عن قصة قيس با سلوب جديد ويحطم كل شفرات العشق ويحل اللغز الغامض ويمزق كل مخطوطات الغرام ويرفض تاريخ من اكاذيب وفلسفة مملكة الطغيان.
      ايلول أصدقني القول وكذب ان قيس مجنون ' وافني بكل التفاصيل وادق التفاصيل... وتفاصيل التفاصيل...
     وحبيبتي تهمس في أذني متناسية كل حدود الغرام ' تائهة بين اصوات الطبول تهمس في أذني ويطغي صوتها علي اصوات الطبول.
      تعلق صوتها علي اذناي وتقول كلمات لم اسمعها من قبل وتحملني الي قصور زاهية ثم تسكنني قصرا فوق سماء الحب حدوده الخيال وتتوجني ملكا على عرشها.
     وآخذها الي دنيا من الجمال افتح لها بوابات القصر السبع وصرير الابواب يعزف مقطوعة متفردة الالحان' والوصيفات كالنحل علي الخلية يتزين بحللهن الصفراء الزاهية التي ادهشت كل الحضور ' وبعضهن يرقص في منتصف القصر ويرمى سهام العينين يصطاد في كل مكان .
      الموسيقي تسمع في كل الانحاء' والغمام يمر من فوق القصر ناثرا عطره في الارجاء يشاركني احتفالا بزفافي' وحبيبتي اميرة تجلس علي يميني تغمض عينيها وتطلق سراح الدموع فرحا .
     والازهار ضيوفي والشموع تضيء اطراف القصر .. ملوك الدنيا اجتمعوا في بيتي مهنئين' حتى انهم تفاوضوا من اجل السلام فقالوا دعونا من خرائط وحدود سنلغي جوازات السفر سنكون دولة واحده ايها البشر! سننشر الحب بيننا كأشعة الشمس تهب ضوؤها للكل ' وسوف نوقف اصوات الرصاص فلن نصنع بعد الآن مدافع ' سنبني قصورا ومنافع... سوف نضع علي فوهات المدافع ازهار الياسمين .
     وقتها كل الطيور هبطت علي رؤوس الحاضرين معلنة دولة العشق السامي ومحطمة لقيود الاماكن .
     احتفلت قطط القصر طربا وراقصت الجرذان في أمن وسلام ' وانتشر الوئام .
وايلول يحكي ...ويحكي ..ويحكي .. وانا سابح في بحور الخيال وفراديس وجنان ' واوحي لوزيري ان انشر البر والاحسان.
     واقول في نفسي ..أيلول .. كم أتمنى قدومك لثلاث مرات في العام ! لا بل طوال العام . أردد امكث معنا لا ترحل' امكث معنا لا ترحل ' امكث معنا . وهو يحكي ان القمر استأجر بيتا في مدينتنا واضحي احد السكان .وان الحزن رحل عن ديارنا واعتزل كل مكان...ويحكي...وانا مغمض عيناي' واختلس نشوتنا وغادر ايلول تاركا لنا قصة عشق اجمل من كل الأحلام... وانا أردد أتمني أن لا يطول غيابك عنا هذا العام فنحن نتوق لرؤيتك عام تلو عام.. .
       واخيرا رحل ايلول وترك لنا الحب ' وهو البيت وهو الاسم والعنوان... فإن كنت أملك استرجاعك ... لهرولت إليك باحثا عنك في كل مكان .

بقلم : قرشي الطاهر القرشي .


ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 موقع الاديب قرشي الطاهر