الجمعة، 9 فبراير 2018

زيجة في رواق السنارية
قرشي الطاهر القرشي .

        قبل أن تشتعل الشمس في كبد السماء ويرتسم الظل في كل اصقاع الأرض كنت أقف علي حافة الطرق ألملم شتات الذكرى والتوتر يتلاعب بي في لحظات الانتظار المريرة للسيارة القلق بآد علي وجهي والارتباك سلب مني ابتسامتي شعرت بتسارع دقات قلبي بشكل مزعج حينما انتابني أحساس التأخير والترقب المميت خشية أن يسبقني الرفاق .
       وقتها اشتعلت الذكرى في مهجتي واستهواني منظر النجوم تتلألأ تزين سماءنا .. و الجميع    مشغول بعيد ميلاد القمر الأ هي منشغلة بترتيب أغراضي باهتمام بالغ كأنني المحتفى بزيجته هذه الليلة .. ولما توسط البدر السماء انتهت من ترتتب اغراضي ودعتني
بابتسامتها المرسوم علي ثغر القمر كأنما تود أن تزفني الي نفسها والخجل يزين وجهها كما تزين التيجان رؤوس الملكات .
      صوت ضحكات عالية ،ودغدغة الستائر المخملية المنسدلة على جبيني ايقظتني ..
يا معاذ هل وصلنا ?
     لم نصل بعد يبدو ان الإرهاق أخذ منك مأخذه .. قبل أن أخضع الي نوم متقطع كنوم العليل .
      طافة روحي وحلقت في سماء تلك البلدة الطيبة المزدانة برونق التصوف وبهاء الخلق ..
أصوات الدلوكة والزغاريد واغاني البنات تتعالى في كل الأنحاء وتشد القلوب كما يشد فارس مفتول البنية لجام فرسه .. ورائحة الحناء تستفذ الأنوف وملكا هذه الليلة يتوجان وحولهم الأقارب .. حسناء ترتدي أجمل الأثواب ورفيقاتها الماهرات نقشن الحناء علي ارجل وأيدي العريسين بشكل بارع .. و النواعس تصطاد من خلف البراقع كما يقنص (الراؤي) مفرداته ببراعة .
     دقائق معدودات وشق صمت الليل صوت ود القوز بمدائح المصطفي وأمير (فرحة) وشقيقة سامي يحملان علي الأكتاف وتتعالي أصوات الحضور ( ابشر يا عريس ابشر يا عريس ) وحفيد السلطنة الزقاء الأمير ( محمد الطيب الهادي ) يوزع الابتسامات كأجمل باقات المحبة لكل أطياف المجتمع ..
      حتي بطل رواية الهجرة الي الشمال المكتول في حوش ناس (……… ) كان يشاطرنا الفرح ويعرض ويسرق الشبال .. ويبلغ العريس تبريكات الأديب الطيب صالح وبرقيات تهاني من كرمكول .. أغمضت عيني بشدة والقشعريرة تسري في جسدي لأفيق علي أنغام رائعة د. حمد الريح يتغنى بها (مرسي "سوأ سوأ") (أحلى منك قائله بلقى ولا غيرك أنتئ ببقي أنتئ افراحي البعيشة وغيره مكتوب لي أشقى ..) حشد كبير يملأ المكان واصواتهم تتعالى كأنما تود أن تخترق الغلاف الجوي .
      ويطل عليه العريس تأرة أخرى من سقف سيارة مكشوفة يلوح بكلتا يديه المخضبتين بالحناء كأنه (بادي ابو دقن بن رباط ) ملك السلطنة الزرقاء يتفقد الحاشية .
لوحة عفوية أخرى رسمتها رقصة (البرع او الشيلة) اليمنية لا تضاهيها كل لوحات العالم المرتب لها روعة وجمال ..كسرت كل العوائق والثقافات المصطنعة ألتي تضرب وحدتنا وسردت روعة التمازج والانصهار وبرهنت أن الوحدة العربية والاسلامية لا تحتاج كل تلك الجهود فقط فنجال قهوة يكفي لحل كل الحدود .
      كنت اقف حائرا حينما توسط الدائرة الشاب اليمني الخلوق أنس دائرة الرقصة وهو يرتدي (الشال والثوب والكوت والجنبية) ملابس تحكي روعة الحضارة العريقة ويزين الحفل برقصة (البرع ) اليمنية .. والدهشة تطرح مكنوناتها في سؤال جعل اوصال التعجب تضطرب
كيف لهذا المكان ان يصهر بوتقة الاختلاف والائتلاف في آن واحد ..!!!?اختلفوا في جغرافيا المكان والوان اعلام اجناسهم وثقافاتهم وهوياتهم واطيافهم الطبقية و الطائفية والحزبية
واجتمعوا في انسانية العلائق الاجتماعية وضربوا بخطوط الطول والعرض الوهمية عرض الحائط الحقيقي ليؤكدوا بان ما جمعه ائتلاف الروح لا تخرقه هواجس النفس و جشعها المتلفق في فصل الانسان بايدلوجية التجزئة فالكل لآدم وآدم لله .
      يارباااه .. كيف لا تسعنا الأرض حين نلتقي دون أن نضع حاجز وهمي..!! و احتضنتنا غرفة في عز الشتاء ولم تتلعثم الكلمات والخطوات ..
     اكملنا السير مرتجلين نحو النيل نتبادل الحديث والسمر ونستقل (ابرفاس) للعبور الي الضفة الأخرى
      وتتعالي الضحكات حينما يعبر خمسة من الضيوف عن فرحتهم بالتحليق في الفضاء الواسع في سباق غير مألوف بينهم والنسيم العليل والهبوط الاضطراري فوق الطين طقوس غريبة تعود الي ما قبل التاريخ .
       في شروق اليوم التالي قاست قلوبنا من لحظات الوداع وعادت أجسادنا تحمل اروع الذكرى .
       لوحة غاية في الجمال أشترك أهالي الصابونابي والمدعوين بأحياء أجمل ليالها في أجواء جميلة من الفرحة والوئام والألفة .

بقلم:✍ قرشي الطاهر القرشي .

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 موقع الاديب قرشي الطاهر